فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

أما قوله: {رَبّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَىَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لّلْمُجْرِمِينَ} ففيه وجوه:
أحدها: أن ظاهره يدل على أنه قال إنك لما أنعمت علي بهذا الإنعام فإني لا أكون معاونًا لأحد من المجرمين بل أكون معاونًا للمسلمين، وهذا يدل على أن ما أقدم عليه من إعانة الإسرائيلي على القبطي كان طاعة لا معصية، إذ لو كانت معصية، لنزل الكلام منزلة ما إذا قيل إنك لما أنعمت علي بقبول توبتي عن تلك المعصية فإني أكون مواظبًا على مثل تلك المعصية وثانيها: قال القفال: كأنه أقسم بما أنعم الله عليه أن لا يظاهر مجرمًا، والباء للقسم أي بنعمتك علي وثالثها: قال الكسائي والفراء إنه خبر، ومعناه الدعاء كأنه قال فلا تجعلني ظهيرًا، قال الفراء وفي حرف عبد الله {فَلاَ تَجْعَلْنِى ظَهِيرًا} واعلم أن في الآية دلالة على أنه لا يجوز معاونة الظلمة والفسقة.
قال ابن عباس: لم يستثن ولم يقل فلن أكون ظهيرًا إن شاء الله، فابتلي به في اليوم الثاني، وهذا ضعيف لأنه في اليوم الثاني ترك الإعانة، وإنما خاف منه ذلك العدو فقال: {إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّارًا في الأرض} [القصص: 19] لا أنه وقع منه.
{فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ}.
اعلم أن عند موت ذلك الرجل من الوكز أصبح موسى عليه السلام من غد ذلك اليوم خائفًا من أن يظهر أنه هو القاتل فيطلب به، وخرج على استتار {فَإِذَا الذي استنصره} وهو الإسرائيلي {بالأمس يَسْتَصْرِخُهُ} يطلب نصرته بصياح وصراخ، {قال له موسى إِنك لَغوى مبِين} قال أهل اللغة الغوي يجوز أن يكون فعيلًا بمعنى مفعل أي إنك لمغو لقومي فإني وقعت بالأمس فيما وقعت فيه بسببك، ويجوز أن يكون بمعنى الغاوي.
واحتج به من قدح في عصمة الأنبياء عليهم السلام، فقال كيف يجوز لموسى عليه السلام أن يقول لرجل من شيعته يستصرخه {إِنَّكَ لَغَوِىٌّ مُّبِينٌ}؟ الجواب من وجهين: الأول: أن قوم موسى عليه السلام كانوا غلاظًا جفاة ألا ترى إلى قولهم بعد مشاهدة الآيات {اجعل لَّنَا إلها كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ} [الأعراف: 138] فالمراد بالغوي المبين ذلك الثاني: أنه عليه السلام إنما سماه غويًا لأن من تكثر منه المخاصمة على وجه يتعذر عليه دفع خصمه عما يرومه من ضرره يكون خلاف طريقة الرشد.
واختلفوا في قوله تعال: {قَالَ يَا موسى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ} أهو من كلام الإسرائيلي أو القبطي؟ فقال بعضهم لما خاطب موسى الإسرائيلي بأنه غوي ورآه على غضب ظن لما هم بالبطش أنه يريده، فقال هذا القول، وزعموا أنه لم يعرف قتله بالأمس للرجل إلا هو، وصار ذلك سببًا لظهور القتل ومزيد الخوف، وقال آخرون بل هو قول القبطي، وقد كان عرف القصة من الإسرائيلي، والظاهر هذا الوجه لأنه تعالى قال: {فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ يَبْطِشَ بالذى هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ ياموسى} فهذا القول إذن منه لا من غيره وأيضًا فقوله: {إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّارًا في الأرض} لا يليق إلا بأن يكون قولًا للكافر.
واعلم أن الجبار الذي يفعل ما يريد من الضرب والقتل بظلم لا ينظر في العواقب ولا يدفع بالتي هي أحسن وقيل المتعظم الذي لا يتواضع لأمر أحد، ولما وقعت هذه الواقعة انتشر الحديث في المدينة وانتهى إلى فرعون وهموا بقتله. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله: {قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} فيه وجهان:
أحدهما: من المغفرة.
الثاني: من الهداية.
{فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ} أي عونًا. قال ابن عباس: قال ذلك فابتلي لأن صاحبه الذي أعانه دل عليه.
قوله تعالى: {فَأَصْبَحَ في الْمَدِينَةِ خَائِفًَا يَتَرَقَّبُ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: خائفًا من قتل النفس أن يؤخذ بها.
الثاني: خائفًا من قومه.
الثالث: خائفًا من الله.
{يََتَرَقَّبُ} فيه وجهان:
أحدهما: يتلفت من الخوف، قاله ابن جبير.
الثاني: ينتظر.
وفيما ينتظر فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: ينتظر الطلب إذا قيل إن خوفه كان من قتل النفس.
الثاني: ينتظر أن يسلمه قومه إذا قيل إن خوفه منهم.
الثالث: ينتظر عقوبة الله إذا قيل إن خوفه كان منه.
{فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ} يعني الإسرائيلي الذي كان قد خلصه بالأمس ووكز من أجله القبطي فقتله، استصرخه واستغاثه على رجل آخر من القبط خاصمه.
{قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ} فيه قولان:
أحدهما: أنه قال ذلك للإسرائيلي لأنه قد أغواه بالأمس حتى قتل من أجله رجلًا ويريد أن يغويه ثانية.
الثاني: أنه قال ذلك للقبطي فظن الإسرائيلي أنه عناه فخافه، قاله ابن عباس.
{فلَمَّآ أَنْ أَرادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا} وهو القبطي لأن موسى أخذته الرقة على الإسرائيلي فقال الإسرائيلي: {قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ} فيه قولان:
أحدهما: أن الإسرائيلي رأى غضب موسى عليه وقوله إنك لغوي مبين، فخاف أن قتله فقال: {أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ}.
الثاني: أن الإسرائيلي خاف أن يكون موسى يقتل القبطي فيقتل به الإسرائيلي فقال ذلك دفعًا لموسى عن قتله، قاله يحيى بن سلام: قال يحيى: وبلغني أن هذا الإسرائيلي هو السامري.
وخلى الإسرائيلي القبطي فانطلق القبطي وشاع أن المقتول بالأمس قتله موسى.
{إلاَّ تَكُونَ جَبَّارا فِي الأَرْضِ} قال السدي: يعني قتالًا.
قال أبو عمران الجوني: وآية الجبابرة القتل بغير [حق].
وقال عكرمة: لا يكون الإنسان جبارًا حتى يقتل نفسين [بغير حق].
{وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ المُصْلِحِينَ} أي وما هكذا يكون الإصلاح. اهـ.

.قال ابن عطية:

ثم قال عليه السلام لربه معاهدًا {رب} بنعمتك علي وبسبب إحسانك وغفرانك فأنا ملتزم ألا أكون معينًا {للمجرمين} هذا أحسن ما تؤول.
وقال الطبري إنه قسم أقسم بنعمة الله تعالى عنده ويضعفه صورة جواب القسم فإنه غير متمكن في قوله: {فلن أكون} والقسم لا يتلقى بلن، والفاء تمنع أن تنزل لن منزلة لا أو ما فتأمله واحتج الطبري بأن في قراءة عبد الله {فلا تجعلني ظهيرًا}.
قال الفقيه الإمام القاضي: واحتج أهل العلم والفضل بهذه الآية في خدمة أهل الجور ومعونتهم في شيء من أمرهم ورأوا أنها تتناول ذلك، نص عليه عطاء بن أبي رباح وغيره، وقوله تعالى: {فأصبح} عبارة عن كونه دائم الخوف في كل أوقاته كما تقول: أصبح زيد عالمًا، و{يترقب} معناه عليه رقبة من فعله في القتل فهو متحسس، قال ابن عباس: فمر وهو بحالة الترقب وإذا ذلك الإسرائيلي الذي قاتل القبطي بالأمس يقاتل آخر من القبط، وكان قتل القبطي قد خفي عن الناس واكتتم فلما رأى الإسرائيلي موسى استصرخه بمعنى صاح به مستغيثًا ومنه قول الشاعر سلامة بن جندل: البسيط:
كنا إذا ما أتانا صارخ فزع ** كان الصراخ له فزع الظنابيب

فلما رأى موسى قتاله لآخر أعظم ذلك وقال له معاتبًا ومؤنبًا {إنك لغوي مبين} وكانت إرادة موسى مع ذلك أن ينصر الإسرائيلي فلما دنا منهما خشي الإسرائيلي وفزع منه وظن أنه ربما ضربه وفزع من قوته التي رأى بالأمس فناداه بالفضيحة وشهر أمر المقتول.
{فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ}.
قرأ جمهور القراء {يبطِش} وقرأ الحسن وأبو جعفر بضم الطاء وهما لغتان، فقال الإسرائيلي لموسى معنى الآية بلسانه وفر منه فشهر أمر القتيل، والجبابرة شأنهم قتل الناس بغير حق فلذلك جعله الإسرائيلي كذلك ونفى عنه الإصلاح، قال الشعبي: من قتل رجلين فهو جبار، ولما اشتهر أن موسى قتل القتيل وكان قول الإسرائيلي يغلب على النفوس تصديقه على موسى مع ما كان لموسى من المقدمات أتى رأي فرعون وملئه على قتل موسى وذبحه، غلب على نفس فرعون أنه المشار إليه بفساد المملكة فأنفذ فيه من يطلبه من جنده ويأتي به للقتل فخرج على الطريق الأعظم، وأخذ رجل يقال إنه مؤمن آل فرعون ويقال إنه غير في بنيات الطريق قصد إلى موضع موسى فبلغه قولهم له {إن الملأ} الآية، و{يسعى} معناه يسرع في مشيه قال الزجاج وغيره وهو دون الجري، وقال ابن جريج: معناه يعمل وليس بالشد.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذه نزعة مالك رحمه الله في سعي الجمعة والأول عندي أظهر في هذه الآية: و{يأتمرون} وزنه يفتعلون ويفتعلون يأتي كثيرًا بمعنى يتفاعلون، ومنه ازدوج بمعنى تزاوج، وذهل ابن قتيبة إلى أنه بمعنى يأمر بعضهم بعضًا وقال: لو كان ذلك لكان يتأمرون.
قال الفقيه الإمام القاضي: وذهب عنه أن يفتعل بمعنى يتفاعل وفي القرآن {وأتمروا بينكم بمعروف} [الطلاق: 6]، وقد قال النمر بن تولب: المتقارب:
أرى الناس قد أحدثوا شيمة ** وفي كل حادثة يؤتمر

وأنشد الطبري: الكامل:
ما تأتمر فينا فأمرك في ** يمينك أو شمالك

ومنه قول ربيعة بن جشم: المقارب:
أجار بن كعب كأني خمر ** ويعدو على المرء ما يأتمر

فخرج موسى عليه السلام وأفلت القوم فلم يجده أحد منهم وخرج بحكم فزعه ومبادرته إلى الطريق المؤدية إلى مدين وهي مدينة قوم شعيب عليه السلام، وكان موسى لا يعرف تلك الطريق، ولم يصحب أحدًا، فركب مجهلتها واثقًا بالله تعالى ومتوكلًا عليه، قال السدي ومقاتل: فروي أن الله تعالى بعث إليه جبريل، وقيل ملكًا غيره، فسدده إلى طريق مدين وأعطاه عصا يقال هي كانت عصاه، وروي أن عصاه إنما أخذها لرعي الغنم في مدين وهو أصح وأكثر، وبين مدين ومصر مسيرة ثمانية أيام قاله ابن جبير والناس، وكان ملك مدين لغيرفرعون، وحكى الطبري عن ابن جريج أو ابن أبي نجيح، شك الطبري أنه قال: إن الذي {أراد أن يبطش} هو الإسرائيلي فنهاه موسى عن ذلك بعد أن قال له {إنك لغوي مبين} [القصص: 18] ففزع الإسرائيلي عند ذلك من موسى وخاطبه بالفضح وكان موسى من الندامة والتوبة في حد لا يتصور معه أن يريد البطش بهذا الفرعوني الآخر. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{قال ربِّ بما أنعمتَ عليَّ} بالمغفرة {فلن أكون ظهيرًا للمُجْرِمِين} قال ابن عباس: عونًا للكافرين، وهذا يدلُّ على أن الإِسرائيليَّ الذي أعانه موسى كان كافرًا.
قوله تعالى: {فأصبح في المدينة} وهي التي قتل بها القِبطيَّ {خائفًا} على نفسه {يترقَّب} أي: ينتظر سوءًا يناله منهم ويخاف أن يُقتل به {فإذا الذي استنصره بالأمس} وهو الاسرائيلي {يستصرخُه} أي: يستغيث به على قِبطي آخر أراد أن يسخِّره أيضًا {قال له موسى} في هاء الكناية قولان:
أحدهما: أنها ترجع إلى القِبطي.
والثاني: إِلى الإِسرائيليّ، وهو أصح.
فعلى الأول يكون المعنى: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ} بتسخيرك وظلمك.
وعلى الثاني فيه قولان:
أحدهما: أن يكون الغَوِيُّ بمعنى المُغْوِي، كالأليم والوجيع بمعنى المؤلِم والموجِع، والمعنى: إِنَّكَ لمُضِلٌّ حين قتلتُ بالأمس رجلًا بسببك، وتَدْعوني اليوم. إلى آخر.
والثاني: أن يكون الغوي بمعنى الغاوي؛ والمعنى: إِنك غاوٍ في قتالك من لا تُطيق دفع شرِّه عنك.
قوله تعالى: {فلمَّا أن أراد أنْ يَبْطِشَ بالذي هو عدوٌّ لهما} أي: بالقِبطي {قال يا موسى} هذا قول الإِسرائيليّ من غير خلاف علمناه بين المفسرين؛ قالوا: لمَّا رأى الاسرائيليُّ غضبَ موسى عليه، حين قال [له]: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِين} ورآه قد همَّ أن يَبْطِش بالفرعونيِّ، ظنَّ أنَّه يريده فخاف على نفسه ف {قال يا موسى أتريد أن تقتُلَني} وكان قوم فرعون لم يعلموا مَنْ قاتِلُ القِبطي، إِلاَّ أنَّهم أَتَواْ إِلى فرعون فقالوا: إِن بني إِسرائيل قتلوا رجلًا مِنَّا فخُذ لَنَا بحقِّنا، فقال: ابغوني قاتله ومن يشهد عليه لآخذ لكم حقَّكم، فبينا هم يطوفون ولا يدرون مَنْ القاتل، وقعت هذه الخصومة بين الإِسرائيلي والقِبطي في اليوم الثاني، فلمّا قال الإِسرائيليُّ لموسى: {أتريد أن تقتُلني كما قَتَلْتَ نفسًا بالأمس} انطلق القبطي إِلى فرعون فأخبره أنَّ موسى هو الذي قتل الرجل، فأمر بقتل موسى، فعلم بذلك رجل من شيعة موسى فأتاه فأخبره، فذلك قوله: {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى}.
فأمَّا الجبَّار، فقال السدي: هو القتَّال، وقد شرحناه في [هود: 59]. اهـ.